روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | الوفاء.. في حياة رسول الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > الوفاء.. في حياة رسول الله


  الوفاء.. في حياة رسول الله
     عدد مرات المشاهدة: 12637        عدد مرات الإرسال: 0

الوفاء لغةً: ضد الغدر، وهو ملازمة طريق المواساة، ومحافظة عهود الخلطاء..

وهذا هو المعنى المقصود في حديثنا عن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغدر بأحد قط بل حافظ على عهوده مع جميع من تحدث أو تعامل معهم.

كما أنه صلى الله عليه وسلم كان يحث أصحابه على تنفيذ وعودهم والوفاء بها..

ما جاء في مدح هذا الخلق:

لقد حث القرآن والسنة على الوفاء بالعقود والعهود، فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود... ."

كما قال تعالى لنبي إسرائيل: "وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم...."

وعن أبي العالية..

(31)

وكما مدح الله عز وجل المؤمنين الذين عاهدوه على الجهاد والاستشهاد ثم وفوا بما عاهدوا عليه، فقال سبحانه:

(9)

وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم جزاء الوفاء بالعبادات والفروض كاملة غير منقوصة هو الجنة فعن طلحة بن عبيد اله رضي الله عنه..

(1)

قيمة هذا الخلق في المجتمع:

لا تقوم حياة الناس في أي مجتمع إلا على العلاقات المتبادلة التي تتنوع ما بين اجتماعية ومادية وفكرية، والشئ الوحيد الذي يضمن استمرار هذه العلاقات دون قطيعة، هو خلق الوفاء.

فالوفاء هو الذي يقوي أواصر الصداقة والأخوة في الله، ويجعل كل أخ أو أخت مسلمة يؤثر على نفسه، وهو الذي يجعله يبتغي مصلحة أخيه دائمًا لأنه يفي له بعقد الأخوة أو الصداقة..

والوفاء هو الذي يضمن لعلاقات النسب والمصاهرة الاستمرار، فوفاء كل إنسان بحق أقاربه وأصهاره، يزيد المحبة، ويقوي الصلات..

والوفاء في العلاقات المادية، والعقود يؤدي إلى دفع عجلة الاقتصاد، ودوران رأس المال باطمئنان واستمرار واستقرار، ومن ثمّ تزدهر الحالة الاقتصادية للمجتمع والأمة، وتقل الخلافات التي تصل في كثير من الأحيان إلى حدّ التقاضي.

والوفاء مع الله عز وجل يضمن للأمة تحقيق النصر، والحياة في ظل رضوان الله عز وجل والحياة الكريمة التي يضمنها الله للمتقين، وفي الآخرة الجنة لمن أوفى بعهده معه..

ـ مواقف من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل المؤمنين وفاءً، يفي لذوي أرحامه، ولو كانوا مشركين، ويفي لزوجته، ويفي لأصحابه وأنصاره ولمن أعان المسلمين وساندهم، ولو كان مشركًا ويفي لأصحاب الحقوق بحقوقهم ويفي بالعهود والمواثيق..

فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ينس فضل أمه، ومعاناتها في رعايته في صغره بعد أ، فقدت الزوج المحب في بداية زواجها، وتأيمت، ولم تأنس بعد به.

وتحملت مسئولية ابنها الوليد حتى توفّاها الله، لم ينس لها الرسول ذلك، فزارقبرها،واستأذن ربه أن يستغفر لها فلم يأذن له، ولكن يأذن له، ولكن أذن له بزيارة قبرها، وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يروي قائلًا:

(27)

وهذا ما ينبغي على الأبناء تعلمه من الرسول نحو آبائهم، مهما كبر الابن ولو صار شيخًا أو امرأة عجوزًا ينبغي تذكر فضل الوالدين، ولو لم ير الأبناء كبير حنان منهما، فيكفي أنهما سبب وجوده في الحياة، يكفي أن الأم بذلت من نفسها ودمها وقوتها، ليولد الابن.

ويكفي تحمل الأب لمتاعب زوجته في حملها، ورعايته لها، وإنفاقه على الصغير وحمايته له حيث لا حامي ولا ناصر له بعد الله (سبحانه) إلا الأب..

وحتى أمه من الرضاعة (حليمة بنت أبي ذؤيب)، وفّى لها رسول الله صلى الله عليه وسلم جزاء إرضاعها إياه، فأكرم ابنتها الشيماء (وهي أخته من الرضاعة) وكانت ترعاه في صغره، كما أكرم لخاطرها قومها بعد غزوة (حنين) وفتح الطائف ففي مختصر سيرة الرسول:

(24)

أما قومها فقد وقعوا في السبي، ولكنّ الرسول صلى الله عليه وسلم أكرمهم لخاطر ظئره (أي مرضعته) حليمة فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:

(18)

ستة آلاف نفس من الصبيان والنساء يطلقهم الرسول صلى الله عليه وسلم وفاءً لأمه من الرضاع.. وهل يداني هذا الوفاء وفاء؟! !

أما عن وفائه لزوجته خديجة رضي الله عنها فقد كان وما زال مضرب المثل ولم يقاربه فيه أحد، حتى أن السيدة عائشة رضي الله عنها وهي ذات الحظوة عند الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تغار من السيدة خديجة.

رغم أنها لم ترها فقد ماتت السيدة خديجة ولم بتزوج الرسول السيدة عائشة إلا بعد وفاة خديجة بثلاث سنوات، وكانت السيدة عائشة طفلة فعن عائشة رضي الله عنها قالت:

(21)

هكذا كان وفاؤوه صلى الله عليه وسلم يدوم بالقول والذكر الحسن لها: "إنها كانت وكانت" كما يدوم فيهادي صديقاتها وقد صرح صلى الله عليه وسلم في موقف آخر بحبه لها فعن عائشة قالت:

(22)

وما رأينا رجلًا يصل به الوفاء لزوجته الراحلة إلى أن يصرح بحبها أمام زوجته الحالية.

ولكنه وفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علينا أن نتعلم إقتداءً بسنته الشريفة، يجب على الزوجين ـ وفاء للعشرة ـ أن يصرح كل منهما للآخر بحبه قولًا وفعلًا، دون استهانة بهذا التصريح بل عليه من باب الوفاء أهن يعلن ذلك أمام أهله ولأهلها دون حرج أو خجل فهذا من سنته صلى الله عليه وسلم..

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعترف بحبه لزوجته دون خجل، فهذا من الوفاء، ومن أسباب السعادة الزوجية، واستقرار البيوت المسلمة، وتحقيقًا للغرض من الزواج: السكن والمودة والرحمة وشكرًا لله عز وجل على النعمة واعترافًا بالفضل للزوجة التي عليها مثل ذلك أيضًا عني أبي عثمان:

(33)

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح لمقدم (هالة) أخت خديجة، فعن عائشة قالت:

(23)

ولو تتبعنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لوجدنا مواقفه من الوفاء لأصحابه من المهاجرين والأنصار لا تعد ولا تقارن فقد كان صلى الله عليه وسلم يحفظ لهم مكانتهم بين الناس، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:

(12)

ووفى الأنصار بموعدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيعة العقبة الثانية، وجاءوا مع المشركين من قومهم دون أن يعلموا بهم ولما جلسوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جرى الحوار التالي:

(14)

ووفى رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار بهذا الوعد، فعندما جاءت غزوة (حنين) وأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم، قال الأنصار: وجد رسول الله أهله، فجمعهم النبي صلى الله في إحدى الحظائر...

(35)

ثمّ جعل الرسول صلى الله عليه وسلم حب الأنصار علامة على الإيمان فعن أنس..

(34)

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم عظيم الوفاء لمن أعان المسلمين وساندهم في الشدة ولو كان كافرًا، فأما إن كان مسلمًا فقد كان وفاؤوه عظيمًا فعن أبي أمامة قال:

(20)

ولما توفي النجاشي نعاه الرسول، وصلى عليه صلاة الغائب هو وأصحابه، وأمرهم بالاستغفار له، فعن أبي هريرة رضي الله عنه:

(36)

وذلك كله جزاء وفاقًا لحمايته للمسلمين في بلدة الحبشة لمًا هاجروا إليها، ورفضه لردهم إلى قريش، عندما أرسلت إليه الهدايا ترشوه من أجل تسليم المسلمين لهم..

وممّن أعان المسلمين وهو كافر أبو البختري بن هشام فقد كان ممن تحركوا في نقض صحيفة المقاطعة في مكة، وقد خرج في غزوة بدر مستكرهًا فعن ابن عباس:

(7)

وهذا جزاء الإحسان إلى المسلمين أن يتم استثناء ذلك الرجل من القتل، ولولا إصراره على حماية صديقه لما قتل.

وقد كان موقفه ذلك دليلًا على نبل أخلاقه، وشجاعته إلا أننبل ملتبس بحمية جاهلية، وتعصب دون تعقل، إذ كان العقل يقتضي أن يتركا القتال سويًا، أو يدخلا في الإسلام، إلا أن العصبية تطمس نور العقل وتغيبه..

وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيًا لعمه أبي طالب لمِا حاطه بحمايته أثناء تبليغه الدعوة بمكة، ورغم أنه مات كفرًا، إلا أنه بسبب النبي صلى الله عليه وسلم قد خفف عنه شئ من العذاب فعن العباس رضي الله عنه:

(28)

وكذلك كان النبي وفيًا للمطعم بن عدي الذي أجار الرسول بعد عودته من الطائف، وكان ممن سعوا في نقض صحيفة المقاطعة فعن محمد بن جبير:

(30)

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ذاكرًا أفضل عمن عليه دائمًا كما كان وفيًا إليه حتى من قبل البعثة فعن مجاهد قال:

(11)

ومن صور الوفاء عند الرسول صلى الله عليه وسلم وفاؤوه بالعهود والمواثيق سواء مع المسلمين أو غيرهم من أعداء الإسلام، أو حتى المواثيق المعقودة في الجاهلية ما دامت تدعو إلى برٍّ ووفاء، فقد روى مسلم والبيهقي عن ابن عباس قال:

(19)

وهذا واضح المعنى في أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوصى المسلمين بعدم التعرض لقوم ضماد، لأن إسلامه كان بمكة، والجيش أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة والإذن بالقتال.

وقدكان سبب فتح مكة سبب فتح مكة ـرغم صلح الحديبية ـ هو الوفاء لخزاعة حليفة الرسول والمسلمين بعدها، بعد تعرضها للاعتداء من بني بكر وقريش في الحرم، فقد أخرج البيهقي عن عروة بن الزبير.

(32)

فقد أخرج الرسول صلى الله عليه وسلم جيشًا كاملًا قوامه عشرة آلاف مقاتل للوفاء بعهد حلفائه مهما كانت النتيجة..

وفي وفائه صلى الله عليه وسلم بالمواثيق قصص عديدة، ولو كانت قد عقدت في الجاهلية، إذا كانت تدعو إلى العدل والحق والتناصف، كما في حلف الفضول فعن طلحةبن عبد الله بن عوف..

(29)

وقد التزم الرسول صلى الله عليه وسلم بما عقدت قريش من تقسيم للمسئوليات في (مكة) في الجاهلية من جعل اللواء مع بني عبد الدار والحجابة مع بني شيبة.

وهكذا ففي غزوة بدر جعل الرسول صلى الله عليه وسلم اللواء في يد مصعب بن عمير من بني عبد الدار، وكذلك في غزوة أحد وقال: نحن أحق وقال: نحن أحق بالوفاء منهم، فلما قتل مصعب أعطى اللواء عليًا بن أبي طالب رضي الله عنه.

أمّا بالنسبة للحجابة، ففي يوم الفتح الأعظم أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم المفتاح، وصلى في الكعبة ثم ردّ المفتاح إلى عثمان بن طلحة من آل شيبة حجاب الكعبة بناءً على توزيع الاختصاصات في قريش منذ الجاهلية، فقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن أبي ملكية قال:

(37)

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم وفيًا في عهوده كلها، حتى مع المشركين، لأن الأخلاق في الإسلام قيم ومبادئ مطلقة يتحلى بها المسلم مع كلالنس، وفي كل وقت وكان أبرز مثال على هذا الوفء ما حدث في صلح الحديبية فقد أخرج البخاري في صحيحه عن المسور بن مخرمة ومروان

(3)

مواقف من وفاء الصحابة:

كانت مواقف الوافاء في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم دروسًا عملية، رسخت في وجدان الصحابة، فتأثروا بها، رغم تحليهم بالوفاء إلاأنهم سعوا إلى التشبه بالرسول صلى الله عليه وسلم في سموّ أخلاقه، وكمالها، فكان منهم أبو دجانة سماك بن خرشة رضي الله عنه فعن أنس

(26)

فهذا وفاء في ميدان الشجاعة والقتال، ومثله وفاء أنس بن النضر الصحابي الجليل في عهده مع الله سبحانه وتعالى فعن أنس أيضًا.

(10)

فهذه أمثلة نادرة في حياة الأمم للوفاء بالعهود، إلا أنها في حياة الصحابة والمسلمين كثيرة، وما ذلك إلا لأن المسلمين يربيهم الإسلام على الأخلاق علمًا وسلوكًا، ويثيب عليها، ويجعل جزاءها الجنة، أما غير المسلمين فإنهم ـ في الأغلب الأعم ـ لا يقيمون للأخلاق وزنًا، وربما صوروها عائقًا أمام الفوز بلذائذ الحياة وانتصارتها..

وفي غير ميدان القتال كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبايع بعض الصحابة بيعات خاصة مثل هذه البيعة التي يرويها عوف بن مالك رضي الله عنه قال:

(25)

وهذا هو الوفاء الصادق بالبيعة، فالوفي يفهم المقصود بالبيعة، وينفذها ويؤديها في كل أمر تنطبق عليه، ولا يتهرب من أدائها والوفاء بها..

تطبيقات عملية:

يحتاج المجتمع لكثير من تطبيقات الوفاء مثل:

وفاء الأنباء لآبائهم، ورعايتهم لهم في كبرهم، واحترامهم، وتقدير رأيهم إن كانوا أحياء، والدعاء لهم وزيارة قبورهم، وصلة أرحامهم وأصدقائهم، إن كان الآباء قد رحلوا عن الحياة..

1ـ الوفاء بالمواعيد والوعود، حيث أصبح سمت المسلمين الغالب إخلاف المواعيد والوعود، بينما يمتاز غير المسلمين في الدول المتقدمة تقنيًا واقتصاديًا بهذه المزية المفقودة عندنا.

2ـ الوفاء للمعلمين الذين أكسبونا علمًا وخلقًا، وسلوكًا بالدعاء لهم، وزيارتهم وإجلالهم..

3ـ الوفاء للأقارب المعسرين والأصدقاء الذين أعانونا أوقات الأزمات.

4ـ الوفاء للزوجات بذكر محاسنهن، والتلطف معهن، واحتمال أذاهن.

5ـ وأخيرًا الوفاء مع الله عز وجل في العهد الذي أخذه الله عز وجل منّا في عالم الذّر "وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى..."، ولذلك بطاعته وطاعة رسوله، والجهاد في سبيله والصبر على ذلك..

نصائح نبوية:

أعطانا الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الوسائل العملية للتحلي بالوفاء، لعل من أبرزها ما رواه أبو هريرة.

(8)

فهذا الشكر هو رمز الوفاء، والوفاء لله يتطلب الوافاء للناس..

الكاتب: د. راغب السرجاني

 المصدر: موقع قصة الإسلام